واجهت الكثير من كبار السن من عدة دول عربيه وإسلاميه ،الذين كانوا يشتكون من حياة قاسية التفاصيل،يقولون ان حياتهم قصه مؤلمه ليس نتيجة فقر البلدان ولا قلة الشعوب والأيدي العامله والمبدعين والمجتهدين ،إنما نتيجة سياسات الأنظمه الفاسده الظالمه ،اعداد كبيره قابلتها رجالا ونساءا كبار بالسن ،يتحسرون على عمرهم الذي أفنوه بالركض ، مجرد الركض في دوامة الحصول على ابسط مقومات المعيشه ،واحيانا كثيره الهروب من اخطار صنعتها الأنظمه ،وأزمات تخترعها لتلهي الشعب عن السياسه ونظام الحكم وتجعله يفكر فقط بقوت يومه او بالهروب من اقدار مصطنعه
لكن القصه التي علقت بذهني هي التي حدثني بها الرجل العجوزعامر ،ضعيف البنيه ،كثيف الشوارب وطويل اللحيه وكلاهما يغطيهما الشيب،صوته ابح وعندما كان يبتسم رأيت انه لم يتبقى من اسنانه الكثير،يلبس الثوب الأزرق والجاكيت الأزرق والشماغ الأزرق والعقال الصوف الذي اكبر من قرص السي دي بقليل وله خيط يتدلى على الظهر يشبه خيط العقال القطري الذي ينزل على الظهر ،هذا هو لبس اهل جنوب العراق ،حدثني الشايب عامر ذو النفس الخفيفه والشخصيه الظريفه ظاهريا والحزينه داخليا ،عندما إلتقيت به بمقهى في بغداد،قال عامر انه بعد ان ابصر النور بسنتين عام 1945 مات والده جبار مقتولا ولا يعلم هل على يد عصابة سراق ام عصابة حكم ،كان والدهم فقيرا لا يملك شيئ وكان يعمل في احد بساتين النخيل ويتقاضى اجرا زهيدا ،يقول عامر لي اخ اسمه جابر كان قد ولد سنة 1946 اي بعدي بسنه
عامر لا يسترسل بالحديث انما يتكلم ببطء ويقف احيانا بين العباره والأخرى عدة ثواني ،ولا اعرف هل نتيجة كبر سنه او هي طبيعه ،لكنه لا يعلم انني انتظر كل كلمه منه على جمر ،لأنها قصه شعرت
انه اختلط بها التشويق والحزن والألم والحسره ،خصوصا انني دائما اكتب عن حزني على امتي وشعوبها وحالها الذي هو من تعيس الى أتعس ومن مخجل الى يندى له الجبين ،يقول عامر منذ ان بلغ عمري السابعه ،حياتنا كلها انا واخي جابر الى هذا اليوم يمكن اختصارها بعبارة
أركض اخوي جابر أركض
لكوني الاكبر سنا من جابر كنت دائما اطلب منه الركض لنلحق على لقمة العيش ونواجه الازمات التي هي غالبا مصطنعه من قبل الأنظمه او نتيجة عادات واعراف المجتمع السلبيه او عوامل خارجيه لأسباب سياسيه او اطماع ،عملنا انا واخي في نفس البستان الذي كان يعمل فيه والدنا ،فكنت اطلب من جابر ان يركض ليلحق الماء الذي فاض او الحلال الذي دخل البستان وسوف يعيث به ويخربه واحيانا ليعمل امور لم نلحق على عملها قبل ان ياتي صاحب البستان ،بدأت دوامة الفقر تعصف بنا تحت عنوان اركض اخوي جابر اركض ،ما هي الا 6 سنوات حتى حدث الإنقلاب على الحكم الملكي واستولى عبدالكريم قاسم على الحكم مؤسسا للنظام الجمهوري ومعه عبد السلام عارف ،زادت الامور الحياتيه سوءا وكثرت عبارة اركض اخوي جابر اركض ،تارة على ازمة الطحين وتارة على الطماطم وهكذا عشنا حياة الركض التي لا يهدأ فيها النفس ،في الجانب الآخر كانت الاحزاب والعصابات تتقاتل على السلطه تاركة الشعب لمصيره وفقره ، انقلب عبد السلام عارف على عبد الكريم قاسم واخذ الحكم ،بعدها بفتره بسيطه سقطت حكومة عبد السلام اثر سقوط مروحيته السوفيتيه التي كان يستغلها مع عدد من وزرائه ومرافقيه ويقال انه عمل مدبر ،وحياتنا بالطبع تزداد سوءا وركضا ولهثا ،كما ان الازمات تزداد تنوعا ،وما هي الا عشرات الأشهر حتى انقض حزب البعث على الحكم بالعراق الثري الغني بعد ان اعدم عبدالرحمن عارف الرجل المسالم ،لكننا كشعب نرى فقط هذا الثراء ينعكس على الحكام واسرهم واحزابهم ،بينما لم نلمس منه شيئا وعلى العكس ،نالنا منه الويلات
والركض طوال الحياة
بدأ فقرنا يزداد وحياتنا تصعب ،جاء التجنيد الإلزامي ودخلنا حرب ايران وكنت دائما اقول لجابر ،اركض اخوي جابر اركض ،احيانا في الجبهات والقتال واحيانا على الباصات عند الإجازات،واحيانا لحضور واجب العزاءات ،وطبعا كان لا يوجد بيت تقريبا في العراق الا ولديه مجلس عزاء بسبب الحرب ، ناهيك عن ازمات الكهرباء والغذاء والبطاقه التموينيه وغيرها التي باتت تقليديه
وقفت حرب ايران ولم تقف عبارة اركض اخوي جابر اركض ،حيث التجنيد الإلزامي المستمر والصراع مع الشيعه بالجنوب ،والأزمات الجانبيه بين العشائر والحراميه والمشاكل التي تأتي بسبب بقره او مجرى ماء او حتى جذع نخله او عدد من التمرات والرعب الذي كان حزب البعث يجعلنا نعيشه
وما هي الا عدة اشهر حتى بدأ الفصل الأصعب بحياتنا والذي جعل منسوب عبارة اركض اخوي جابر اركض يرتفع بشكل جنوني ،عندما قام صدام بغزو الكويت سنة 1990 ، وعندما بدأت حرب تحرير الكويت ضاقت الحلقات وبدأ الأمن يتسرب والحياة تتصعب ،ثم جاء الحصار على العراق ،فضاع كل شيئ او اصبح يصعب الحصول عليه وشبه مفقود الامر الذي تناسب طرديا مع عبارة اركض اخوي جابر اركض ،ناهيك عن القوانين التي سنها حزب البعث فكان الهرب من قطع اللسان والأذنين والهرب من الصخره ومن تقارير الحزبيين الكيديه والابتزازيه ،ثم اضيف الى ذلك الركض على البانزين والوقود والركض على الطحين والسكر والمواد الأساسيه وحتى الركض على ماطور الماء في انصاف الليالي حتى نشغله لنحصل على ماء للشرب ، واي ماء كان حيث يصلنا بلون اخضر مخلوطا بمياه الصرف الصحي
بدأ العراقيون والعراقيات يهربون من العراق الثري ثاني احتياط نفطي بالعالم وبلاد النهرين،بسبب الوضع الكارثي على كل الأصعده ،يعملون عمال وخدم في الاردن وسوريا ،وكانت شوارع الاردن وسوريا مليئه
بالمتسولات العراقيات ،اما انا فضلت دوامة اركض اخوي جابر اركض ،ويقول الشايب عامر على سبيل الطرفه بنكهة الألم ،انه يوما من الايام واثناء حصار العراق في سنة 1998 كان سعر لتر البانزين ب 20 دينار واراد صدام ان يرفعه الى 30 دينار ،لكن لا يريد ان يظهر بمظهر انه لا يراعي مصالح واحوال الشعب المترديه ،فقام برفع السعر الى 40 دينار ،عندما سمعنا الخبر بالليل انه غدا سيكون سعر لتر البانزين ب 40 دينار قلت هذه المره بأعلى صوتي: اركض اخوي جابر اركض ،خلنا نعبي سياراتنا وما نستطيع من دبات او حاويات قبل ان تتعدى الساعه 12 بالليل ويبدأ تطبيق القانون
يقول تململ الناس من رفع سعر البانزين ،وصدام كان يعلم ذلك ، بعدها بفتره اصدر مكرمه رئاسيه بتنزيل سعر البانزين من 40 الى 30 دينار وهو اصلا ما كان يريده سابقا ، لكنه جعل الشعب يخرج مظاهرات هتف فيها بحياة الرئيس واشاد بالمكرمه الرئاسيه وشعوره لحاجة الشعب وظروفه…وهنا ابتسم الشايب عامر وابتسمت معه
طلب عامر كأسين من الشاي جديدين واصر على انه من يدفع كعادة العراقيين في الكرم ،فقلت له اكمل يا عم
تنهد قليلا وتابع بنفس طريقته المتقطعه ، واحيانا يقول لي الكلام بالقطاره ،وبالطبع كان شعوري ليس مثلكم ايها القراء لأنكم تكملون الحكايه بدون تقطيع بالكلام الذي يجلب انتظار غير مرغوب فيه
فقال : استمرت هذه المعاناة ودوامة الفقر والعذاب والمرض ونقص كل شيئ حتى احتلت امريكا العراق عام 2003
ومنذ ذلك التاريخ ازدادت معاناتنا اكثر وظهرت لنا عدة دوامات وازمات واغلبها من نوع جديد لم يرى تاريخ العراق مثله
حيث القتل على الهويه والطائفيه والسلاح المنفلت والعصابات المتنوعه التي منها استولى على السلطه ومنها استولى على الثروه ،زاد القتل والخطف والنهب والفساد وضاع الأمن بصوره اكبر وضاع
الولاء للوطن وبدلا من فاسد ،وقع البلد بيد مئات الاحزاب والفئات والأفراد الفاسده التي لم تدع للمواطن حتى الفتات
المفارقه ان كل هذا يحدث تحت شعار الوطنيه والدين
جرت الأيام والسنين والعراق ينهب ويستباح وعاد الى القرون الوسطى ،واصبح هدفا لمصالح دول خارجيه ولقمه سائغه للجميع ،الامر الذي تصاعدت معه عبارة اركض اخوي جابر اركض
وها انا يا اخي العزيز اجلس معك في المقهى في بغداد للبحث عن علاج لي لأنه لم اجده في الجنوب
ولعلمك لم يتركني وكان اخي جابر البالغ من العمر الان 76 هنا معي في المقهى لكنني اعطيته اسم العلاج وقلت له اركض اخوي جابر اركض حاول ان تجد لي العلاج بالصيدليات
انتهت قصة الشايب عامر ،،،
واود ان اوضح امرا ، ان اغلب الشعوب العربيه تعيش منذ سنين على طريقة اركض اخوي جابر اركض ولا زالت
مع الاسف
بقلم الكاتب الصحفي
مياح غانم العنزي
رابط المقال في الاعلام الامريكي
https://arabvoice.com/107487/%d8%a3%d8%b1%d9%83%d8%b6-%d8%a7%d8%ae%d9%88%d9%8a-%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%b1-%d8%a8%d9%82%d9%84%d9%85-%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%ad-%d8%ba%d8%a7%d9%86%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d8%b2%d9%8a/
السبت يونيو 11, 2022 7:51 pm من طرف مياح غانم العنزي
» الله ستر وما طحت
السبت يونيو 11, 2022 7:26 pm من طرف مياح غانم العنزي
» لا تسمي ابنك الكبير احد هذه الاسماء
السبت يونيو 11, 2022 7:03 pm من طرف مياح غانم العنزي
» لحظة رد فعل مستوطن بعد ان حاصره فلسطينيين في محطة محروقات
السبت يونيو 11, 2022 7:01 pm من طرف مياح غانم العنزي
» اخبرهم اخي صلاح
السبت يونيو 11, 2022 6:59 pm من طرف مياح غانم العنزي
» حديقة الحيوان في بولندا
السبت يونيو 11, 2022 6:58 pm من طرف مياح غانم العنزي
» منطقة مرور غزلان
السبت يونيو 11, 2022 6:42 pm من طرف مياح غانم العنزي
» شاطئ الزجاج في كاليفورنيا ...عجائب
السبت يونيو 11, 2022 6:40 pm من طرف مياح غانم العنزي
» الكاتب الصحفي مياح غانم العنزي في بر سلطنة عمان
السبت يونيو 11, 2022 6:38 pm من طرف مياح غانم العنزي